نحضّرها بحب.. نرميها بألم | بقلم: يعقوف غولدبرغ - زافيت
السندويشات التي يبذل الأهل جهدًا في إعدادها صباحًا لأطفالهم لا تُؤكل دائمًا. يكشف بحث جديد كيف يمكن لمشاركة الأطفال أن تسهم في الحدّ من هدر الطعام.
الصورة للتوضيح فقط - تصوير: (Photo by Jeff Spicer/Getty Images for Warburtons)
إضافة إلى التداعيات الاقتصادية الهائلة لهدر الطعام، فإن لذلك تبعات بيئية واسعة. فحتى لو كان من السهل غضّ النظر عن الطعام الذي يُلقى في النفايات، لا يمكن تجاهل البصمة البيئية التي تُخلّفها هذه الأفعال، إذ تشير التقديرات إلى أنّ نحو 10% من مجمل الغازات الدفيئة المنبعثة إلى الغلاف الجوي مرتبطة بفقدان الطعام في صناعة الأغذية أو بالانبعاثات الناتجة عن الطعام الذي لم يُستهلك. ووفقًا لتقرير "ليكت يسرائيل" حول فقدان الطعام في البلاد، فقد جرى خلال عام 2023 التخلص من 2.6 مليون طن من الطعام، بقيمة 24.3 مليار شيكل، وهو ما يشكّل 38% من مجمل الطعام المُنتَج في إسرائيل. ويمثّل ذلك زيادة بنسبة 3% مقارنة بالعام السابق.
إلى أي مدى يؤثر الأطفال والشبيبة على حجم هدر الطعام في المنازل، وكيف يمكن إشراكهم في الحدّ من الظاهرة؟ بحثٌ إسرائيلي جديد أجرته منظمة The Natural Step Israel فحص بعمق قضية هدر الطعام لدى الأطفال واليافعين بين سنّ عامين و18 عامًا. وتُظهر النتائج أنّ الطريق إلى تقليص هدر الطعام يبدأ بتعرّف الأطفال بشكل مباشر على الأرض، وعلى عمليات زراعة الغذاء في الطبيعة وفي الحيّز المدني.
السندويشات تُرمى
تتركز معظم الأبحاث المتعلقة بتقليل هدر الطعام في دراسة أنماط استهلاك الغذاء لدى البالغين، في حين يحدث جزء كبير من حجم هدر الطعام في البيوت داخل العائلات التي لديها أطفال — وذلك بسبب أنماط استهلاك الطعام لدى الأطفال. وتقول د. ميخال بيترمان، المديرة العامة ومؤسِّسة TNS إسرائيل، التي أجرت البحث بالتعاون مع ماي سيري وهِيلا سيغل-كلاين بأنه في كل ما يتعلق بالشبيبة، فإن الموضوع ما زال في بداياته. في إسرائيل وفي العالم لا توجد الكثير من الدراسات في هذا المجال، وبالتأكيد ليس تلك التي تتابع مجموعات من الأطفال واليافعين على مدار سنوات. في إطار البحث، الذي جرى بدعم من وزارة حماية البيئة، أُجريت مقابلات مع متخصصين في مجالات التربية البيئية والزراعة والطبيعة. وبالتوازي، أجري استطلاع شمل أكثر من 400 والد ووالدة. وتقول بيترمان، لقد فوجئنا بسرعة تجاوب الأهالي. وفي مرحلة معينة اضطررنا لإغلاق الاستطلاع لأن نسبة المشاركة كانت عالية جدًا في مختلف أنحاء البلاد.
بحسب الدراسة، تشمل أبرز الأسباب التي تؤدي إلى هدر الطعام بسبب الأطفال، المشتريات الاندفاعية، تغييرات مستمرة في الأطعمة المفضلة، الانتقائية في الطعام، وتفضيل الأطعمة ذات المظهر "المثالي" من الناحية الجمالية. كما تبيّن أن المواد الغذائية التي يميل الأطفال إلى رميها أكثر من غيرها هي أساسًا بقايا الوجبات المطبوخة، وفي المرتبة الثانية السندويشات المُعدّة للمدرسة.
في الماضي: أبناء الشبيبة كانوا يذهبون للعمل في الحقول
إن الارتباط أو الانفصال العاطفي عن الطبيعة مرتبطان بشكل وثيق بنمط الحياة الحديث، الذي يشمل الابتعاد عن عمليات زراعة الخضراوات والفواكه، والتوسع العمراني المكثّف، وتَصنيع الغذاء. بحسب البحث، فإن حقيقة أن الأطفال في المجتمع الحضري لا تتاح لهم فرصة تجربة زراعة ومعالجة الغذاء بشكل مباشر ترتبط بالانفصال العاطفي الذي يشعرون به تجاه الطعام، وهو انفصال قد يؤدي أيضًا إلى هدر الغذاء. تشير معطيات الاستطلاع إلى أن معظم الأطفال غير معتادين على الانخراط بشكل منتظم في أنشطة مرتبطة بالزراعة في الطبيعة. إضافة إلى ذلك، لاحظ معظم الأهالي وجود علاقة إيجابية بين مشاركة الأطفال في الطهي وإعداد الطعام وبين وعيهم الغذائي. وتوضح بيترمان أنه على خلاف المناهج التقليدية التي تفترض أن نقل المعرفة هو الطريقة الأساسية لتعزيز التغيير السلوكي، يضع بحثُنا التجربةَ العاطفية والشخصية كأساس ضروري للتغيير. أوضحَت النتائج أن السبب المركزي لهدر الطعام لدى الأطفال واليافعين هو الانفصال العاطفي لديهم تجاه الغذاء. فهم لا يكبرون في بيئة زراعية، بل يعيشون حياة كاملة دون أن يروا الطعام ينمو؛ لم يسبق لهم أن وخزهم شوك من شجيرة أو نبتة، ولا شعروا بحرارة الأرض. لذلك، فإن الهدف الأساسي هو بناء هذا الارتباط العاطفي، العودة إلى الأساس قبل الممارسات العملية في المطبخ، ربطهم بالأرض، بالزراعة، وبالشمس. على الطفل أن يفهم ويشعر بأنه ليس مجرد مستهلك للطعام، بل هو جزء من السلسلة الغذائية.
لإحداث تغيير في موقف الأطفال والشبيبة تجاه الغذاء وفي سلوكهم الغذائي، هناك حاجة - من بين أمور أخرى - إلى تجارب تتعلّق بزراعة الطعام في الطبيعة وإلى تواصل مباشر مع الأرض. ومع ذلك، لم تُعثَر على دلائل مباشرة تشير إلى أن هذا التغيير يؤدي فعليًا إلى تقليل هدر الطعام. يوضح البحث أن الأنشطة قصيرة المدى، مثل ورشات لمرة واحدة في الطبيعة، يمكن أن تُثير ارتباطًا عاطفيًا وتعزز الوعي البيئي، لكنها ذات تأثير محدود. وبحسب أبحاث سابقة، تبين أن أنشطة الزراعة داخل المدارس تُسهم في تحسين العادات الغذائية لدى الأطفال، وخاصة فيما يتعلق باستهلاك الخضروات والفواكه. وتقول بيترمان أنه في الماضي، كان الشبيبة يذهبون للعمل في الحقول. ويمكن القيام بذلك أيضًا اليوم كجزء من روتين الحياة، وتضيف بأن الهدف هو أن يتعرّض الأطفال بشكل مستمر للأرض والحقل. وتقول، رؤيتنا هي تغيير نظرة الأطفال من خلال الكبار - حيث وظيفتهم تعريفهم على الطبيعة. من المهم أن يدمج الأهل، ومرشدو الشباب، وكل من يُعلّم الزراعة، رسائل حول الاستهلاك السليم ومنع الهدر ضمن الأنشطة الميدانية.
وبالتوازي مع الارتباط المباشر بالأرض، وبالشمس، وبعملية الزراعة نفسها، تؤكد بيترمان على الإمكانات الكامنة في دمج الطبيعة داخل الحيز الحضري الحديث. وتقول إنه على الرغم من أن معظمنا يعيش في المدن، يمكن إدخال تجربة زراعة الغذاء إلى حياتنا اليومية. يمكن البدء بخطوة بسيطة جدًا، مثل وضع نبتة في أصيص على الشرفة أو على سطح المنزل وزراعة النعناع أو البندورة فيها، كما يمكن الانخراط في أنشطة داخل حديقة مجتمعية. اليوم، أصبح الفضاء الحضري أكثر انفتاحًا على الطبيعة.
ما هو تقليل هدر الطعام أصلًا؟
تقول بيترمان، قبل 12 عامًا، عندما أسسنا TNS في إسرائيل وبدأنا نتناول تأثيرات الغذاء على الاستدامة، لم تكن هناك أيّ درجة من الوعي بقضية هدر الطعام. جاء هذا البحث الحالي في أعقاب سلسلة من الأبحاث والمشاريع التي اقترحت وأدت إلى تغييرات في الممارسات المتعلقة بالإدارة السليمة للطعام. وكجزء من رفع مستوى الوعي، ابتكرنا مصطلح "تقليل هدر الطعام" كما أسسنا اليوم الوطني لهدر الطعام، الذي يُحيى سنويًا في 12 آذار/مارس.
وتضيف في ختام حديثها، أنه في مرحلة معينة أدركنا أن رفع الوعي وحده لا يكفي، وأنه لا بدّ من تطوير أدوات إضافية، من بينها أدوات تخاطب الجانب العاطفي وتؤدي إلى فعل نابع من تغيير داخلي. انتباه الجمهور محدود جدًا، خاصة في هذه الفترة، وهذا ما يبرز أكثر الحاجة إلى إحداث تغييرات في أبسط السلوكيات اليومية، وليس في أمور تتطلب جهدًا كبيرًا أو ترتيبات لوجستية خاصة.
أُعدّت هذه المقالة بواسطة "زافيت" – وكالة الأنباء التابعة للجمعية الإسرائيلية للإيكولوجيا وعلوم البيئة.
من هنا وهناك
-
‘ بين الميزانيات الحكوميّة والمسؤوليّة المحليّة: رؤية جديدة لتمكين الشباب العربي في ظل تحديات خطة تقدّم 550‘ - بقلم: د. يعقوب سعيد غنايم
-
‘ المعلم وأزمة السكن ‘ - بقلم : حيدر حسين سويري
-
‘قبل أن يستيقظ البحر‘.. مرثية الحبّ في زمن الرّماد والمنفى - بقلم : صباح بشير
-
مقال: ‘منع الغذاء ونشر الأمراض في مقدمة أساليب الإبادة الجماعية‘ - بقلم : أسامة خليفة
-
مقال: المستطيل الأخضر.. خندق الانقسام العربي - بقلم : الدكتور حسن العاصي
-
‘ الروحانية بين جبران وطاغور ‘ - بقلم: إبراهيم أبو عواد
-
‘حملة الذباب الالكتروني ضد السيد السيستاني‘ - بقلم : الكاتب اسعد عبدالله عبدعلي
-
‘ كُن إنسانًا… قبل كل شيء ‘ - مقال بقلم : رائد برهوم
-
مقال: تسطيح العقول.. كيف تُدار السذاجة والشيطنة ؟ بقلم : بشار مرشد
-
‘ لماذا لا نرى الأمن والأمان؟ ‘ بقلم: المحامي يوسف شعبان





أرسل خبرا