‘لماذا يصعب علينا أن نعيش بسلام؟ رسالة ميلاديّة للجميع‘ - بقلم: منير قبطي
هل الشرّ طبيعة في الإنسان؟ سؤال يتردّد منذ بداية التاريخ، وربما منذ اللحظة الأولى التي حلم فيها الإنسان بحياة هادئة. فالرغبة في السلام ليست ترفًا ولا فكرة مثاليّة، بل حاجة إنسانيّة أساسيّة. ومع ذلك،
منير قبطي - صورة شخصية
وعلى الرغم من تقدّم الحضارة وتراكم الخبرات، ما زال السلام حلمًا أكثر منه واقعًا.
كثيرون منّا لا يطلبون سلطة ولا ثروة، بل حياة بسيطة: بيت هادئ، علاقة محترمة، وطمأنينة داخليّة. نراهم في كل مكان: موظف يريد أن يعود إلى بيته بلا توتّر، أمّ تسعى لحماية أسرتها من القلق، شاب يبحث عن مستقبل بلا صراع. ومع ذلك، يجد هؤلاء أنفسهم في معارك يوميّة لم يختاروها.
أحيانًا يكون الصراع في مكان العمل، حيث تتحوّل المنافسة إلى قسوة، والكلمة الجارحة إلى أمر عادي. وأحيانًا داخل العائلة نفسها، حيث سوء الفهم المتراكم يجعل أقرب الناس إلينا مصدر ألم بدل أن يكونوا مصدر أمان. وقد يكون الصراع داخليًا، بين ما نريده حقًا وما يُفرض علينا أن نكونه.
نريد السلام، لكننا نصطدم بواقع يعلّمنا الدفاع أكثر من المصالحة، والشك أكثر من الثقة. نرفع شعار الاحترام، لكننا ننساه عند أول خلاف. نطالب بحقوقنا، وهذا حق مشروع، لكننا أحيانًا ننسى واجبنا الإنساني في الإصغاء والاحتواء.
في جو الميلاد، نعود إلى رسالة ملك السلام، وهي رسالة لا تنتمي لدين واحد أو جماعة بعينها، بل للإنسان كإنسان. رسالة تقول إن السلام ليس غياب الصراع فقط، بل حضور المحبّة والاحترام. ليس ضعفًا، بل قوّة أخلاقيّة تتطلّب شجاعة. وقد عبّر المفكّر الهولندي هنري نووين (Henri Nouwen) عن هذا المعنى بقوله:" السلام لا يولد من القوّة، بل من العدالة والمحبّة".
فهم رسالة الميلاد يصعب عندما نبحث عن السلام في تغيّر الآخرين فقط. ننتظر أن يعتذر الآخر، أن يتنازل الآخر، أن يبدأ الآخر. لكن الميلاد يضع المرآة أمامنا ويسأل: ماذا عنك أنت؟ كيف تتصرّف حين تختلف؟ كيف تتكلّم حين تغضب؟ وكيف تختار كلماتك مع من تحب؟
العمر، مهما طال، قصير جدًا ليُستنزف في خصومات طويلة، وفي حزن متراكم، وفي شماتة لا تشفي جرحًا ولا تبني مستقبلًا. كم من علاقات انتهت بسبب كلمة لم تُقَل في وقتها، أو اعتذار أُجِّل، أو كبرياء اعتُبر كرامة. وقد لخّص الشاعر العراقي سعدي يوسف هذا المعنى الإنساني العميق بقوله:
" ليس السلام ألا نختلف بل أن نختلف دون أن نكسر القلب".
رسالة الميلاد لا تنكر وجود الشر، لكنها ترفض أن يكون هو الصوت الأعلى. هي دعوة عمليّة وبسيطة:
أن نختلف دون أن نُهين،
أن نطالب بحقوقنا دون أن نسحق غيرنا،
أن نتمسّك بالحق دون أن نفقد إنسانيّتنا.
السلام لا يبدأ بقرارات كبرى ولا بخطب رنّانة، بل بتفاصيل صغيرة: كلمة طيّبة في لحظة توتّر، احترام رأي مختلف، اختيار الصمت بدل الجرح، أو الشجاعة للاعتذار دون تبرير.
في هذا الميلاد، لعلّ السؤال الأهم ليس: لماذا لا يعيش العالم بسلام؟
بل: ماذا يمكن لكل واحد منّا أن يفعل اليوم ليكون جزءًا من هذا السلام؟
فربما لا نغيّر العالم،
لكننا نستطيع أن نغيّر الجو من حولنا،
وهذا وحده بداية حقيقيّة للسلام.
ميلاد يحمل المحبة، والاحترام، ورجاءً لا يخيب.
من هنا وهناك
-
‘ الروحانية بين جبران وطاغور ‘ - بقلم: إبراهيم أبو عواد
-
‘حملة الذباب الالكتروني ضد السيد السيستاني‘ - بقلم : الكاتب اسعد عبدالله عبدعلي
-
‘ كُن إنسانًا… قبل كل شيء ‘ - مقال بقلم : رائد برهوم
-
مقال: تسطيح العقول.. كيف تُدار السذاجة والشيطنة ؟ بقلم : بشار مرشد
-
‘ لماذا لا نرى الأمن والأمان؟ ‘ بقلم: المحامي يوسف شعبان
-
‘قطرة ماء… سرّ الحياة ومعجزة الخلق‘ - بقلم: سليم السعدي
-
‘المسيحيون العرب في إسرائيل: قراءة هادئة في هوية تبحث عن شراكة عادلة‘ - بقلم : منير قبطي
-
‘الشخير الحاد وانقطاع التنفس الانسدادي‘ - بقلم : د. ناصر عزمي الخياط
-
‘بعض الناس مهما قلّ المحصول يبقى عطاؤهم وفيراً‘ - بقلم : المحامي شادي الصح
-
القيادة الحقيقية.. ثقة ووضوح ودالة متجانسة صاعدة، لا تعرف اللون الرمادي ولا العيش في ‘الظل‘





أرسل خبرا