هؤلاء أسلافي : المرحوم المربي والشاعر الأديب سامي طاهر إدريس
من ضمن سلسلة هؤلاء أسلافي أكتب اليوم عن شخصية تربوية أخرى ألا وهو المرحوم المربي الأديب والشاعر سامي طاهر إدريس ( أبو جبران ).

الصور من كاتب المقال محمد صادق جبارة
حقيقة مفاهيم الموت لدى الناس تختلف، فهناك من يشعر بالموت حين يفقد انساناً عزيزاً ويُخيل إليه أن الحياة قد انتهت، وأن ذلك العزيز حين رحل أغلق الحياة خلفه، وأن دوره في الحياة قد انتهى، لكن ما يواسيني في خضم هذه المواجع أن أمثال هذا الكاتب والشاعر يموتون ويحيون رغم أنف الزمان والمكان، فهم يسكنون عيوننا وقلوبنا وجوارحنا مخلدون في ذاكرة الأيام .
كان الراحل خلوقاً متواضعاً حَسن التعامل، هادئ الطباع، دائم البشاشة والابتسام، كان نعم الصديق والرفيق، دائم السؤال والاتصال والزيارة لمن تربطه به علاقة زمالة وود وصداقة. هو ابن لفلاح أحب الأرض وعمل في الأرض، أنا لا أقول هذه الكلمات نفاقاً ومجاملة، لكنها حقيقة، كان الشاعر ثائراً أمام الظلم والباطل وخير دليل على ذلك اصداره مجلة نقدية سميت " بواكير النهار "، كتب فيها عن التعليم وعن زملائه المعلمين الذين عانوا في تلك الفترة من تصرفات إدارة المعارف واتجاههم، فانتقد المحسوبية والواسطة في هذه الدائرة، وانتقد المديرين والمفتشين وعملية تنقلات المعلمين من مكان الى مكان بطريقة غير صحيحة حسب القانون، وفي النهاية دفع الثمن غالياً حيث بقي يُعلم في النقب عدة سنين عقاباً له، فمرة نقلوه لقرية مُصمص ومرة الى الرملة.
عندما أسميه الشاعر الثائر ليس فقط في مجال التعليم، إنما بالسياسة أيضا، فقد كان ناشطاً في الحراك السياسي وغير ذلك كان المرحوم ليس منافقاً بل كان صادقاً، فالنفاق لا يتفق مع الادب والشعر فالشعراء المنافقين ليس لهم مكان بين الأدباء والشعراء . كان المرحوم من أعضاء الاتحاد القطري للأدباء الفلسطينيين في الداخل وكان مرجعاً لهم وصديقاً لهم، ولقد ترك المرحوم إرثاً رائعاً في الشعر والرواية، أعرف جيداً أنه ساعد كتّابا وشعراء معروفين لتخرج كتبهم للنور سليمة دققها واصلحها خدمة للثقافة دون مقابل.
" دكتوراة في الفلسفة الاسلامية "
ولد الراحل في تاريخ 11/1/1954 في بلدة الطيبة وتوفي عام 2023، لأب فلاح تمسك بأرضه والأبناء منهم الشعراء ومنهم الفنانين والمعلمين. درس المرحوم المرحلة الابتدائية والثانوية في بلدة الطيبة مسقط رأسه والتحق في دار المعلمين بيافا وحصل على شهادة التدريس ، درس الادب الإنجليزي في جامعة بن غوريون وذلك أثناء عمله كمدرس في النقب في اواخر السبعينات نال اللقب الثاني من جامعة بار ايلان عام 2002 ثم نال شهادة الدكتوراة في الفلسفة الإسلامية من جامعة تل أبيب عام 2010 له محطات في مسيرته التعليمية فقد تنقل كمدرس في أكثر من بلد جنوباً وشمالاً وذلك بسبب مواقفه السياسية كما قلنا، بدأ بتل السبع في النقب ثم مُصمص فالرملة فالطيرة فالطيبة، عمل كمحاضر في كلية بيت بيرل لفترة وجيزة ثم كلية " كي " في الجنوب وأخيراً كلية ( أحفا ) حتى قبيل وفاته.
عرف عن المرحوم على مدار حياته بمواقفه السياسية والوطنية، كما عرف في المشهد الأدبي كشاعر وناقد، ويعتبر من اوائل الشعراء الملتزمين في الطيبة، فقد تميز شعره بالحس الوطني والسياسي وله العديد من القصائد عكف على جمعها للطبع والنشر. برع المرحوم في الكتابة النثرية فقد كتب ما يزيد عن عشرين اصدارا في السيرة الذاتية كان قد عزم على نشرها قبيل وفاته وله أيضاً مسرحية واحدة تندرج تحت باب الأدب الملتزم.
أعماله:
1. ديوان الرحيل إلى مرافئ الغيم.
2. بواكير النهار ( محرر وكاتب ) مجلة نقدية صدرت مرتين في النقب في السبعينات.
3. الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة – رسالة الماجستير في العلوم الإسلامية.
4. النظرية السياسية الإسلامية في القرن الخامس الهجري عند أبي المعالي وإمام الحرمين الجويني رسالة الدكتوراه.
5. ألف مسرحية يوميات يعقوب طروفيا حلاب العقول – في قرى المثلث والجليل وفازت بجائزة مسرح الميدان.
أسهم المرحوم في إثراء الأدب والكتابة وقد كُرِّم في العديد من المناسبات الثقافية والأدبية من قبل الأدباء والمؤرخين ومؤسسات ثقافية . كان المرحوم شاعراً وروائياً ومفكراً وإنساناً بحق الكلمة مصراً على كلمة الحق وإن كره الأخرون كانت شخصيته المهذبة الهادئة وكان سرده الشعري الجميل ولغته الجميلة هويته.
برحيلك عنا أُعزي الأدب وأُعزي اللغة العربية التي عشقتها، ستبقى أعمالك شاهدة لثراء إبداعك ومحطة لروحك فأنت فارس من فوارس الأدب والثقافة في بلادنا. أنت رجل المبادئ والمواقف أيها الثائر الأديب سنفتقد لغتك وفكرك.
وأنهي مقالي هذا برجاء أوجهه إلى المؤسسات الأدبية والنوادي الثقافية والسلطات المحلية في البلاد بأن تجمع كتبه لأنها حافلة وشاملة في الأدب العربي وإصدارها في مجموعة لأعماله الأدبية شعراً ونثراً. رحمك الله يا صديقي العزيز نم قرير العين.
اللهم ارحم من رحلوا عنا وأكرمهم بجنة عرضها السموات والأرض يخيرون بين أبوابها.




من هنا وهناك
-
‘الشخير الحاد وانقطاع التنفس الانسدادي‘ - بقلم : د. ناصر عزمي الخياط
-
القيادة الحقيقية.. ثقة ووضوح ودالة متجانسة صاعدة، لا تعرف اللون الرمادي ولا العيش في ‘الظل‘
-
‘العنف… حين يختنق المجتمع بصمته ومسؤوليتنا أن نعيد للناس حقهم في الأمان‘ - بقلم: رانية مرجية
-
عمر عقول من الناصرة يكتب: الى اين انتم ماضون بنا؟
-
مقال: ميزانية اسرائيل 2026.. اسرائيل تنتقل من الليبرالية العلمانية الى الدكتاتورية التلمودية! - بقلم: د. سهيل دياب
-
مقال: عملية ‘الأحجار الخمسة‘: دلالات العدوان على طوباس كمقدمة لإعادة تشكيل الضفة الغربية - بقلم : د. عمر رحال
-
‘ بين الواقعية السياسية ووحدة الموقف: اختبار الإرادة الفلسطينية ‘ - بقلم: محمد علوش
-
‘التهجير الصامت : الاحتلال يبتكر أساليب جديدة لتهجير الغزيين‘ - بقلم: د. حسين الديك
-
مقال: بين السلاح وإعادة الإعمار: الغزيون يطالبون بالحياة أولاً - بقلم: الصحافية لارا احمد
-
‘الاستشراق الرقمي: كيف تصنع وسائل الإعلام الغربية شرقاً جديداً ؟‘ بقلم: الدكتور حسن العاصي





التعقيبات