قصة ‘مهاجر لم يهاجر ‘ - بقلم : الكاتبة اسماء الياس من البعنة
هَاجَرَ اَلْكَثِيرَ مِنْ اَلْعَائِلَاتِ، وَالسَّبَبُ تَفَشِّي اَلْجَرِيمَةِ. حَاوَلَتْ بِقُدُرَاتِي اَلْقَلِيلَةِ إِقْنَاعَ رَبِّ اَلْعَائِلَةِ اَلسَّيِّدُ سَمِيرْ عَوْنِي بِعَدَمِ اَلْهِجْرَةِ وَالْبَقَاءِ فِي اَلْوَطَنِ. أَرَدْتُ أَنْ أَفْتَحَ عَيْنَيْهِ عَلَى حَقِيقَةٍ غَابَتْ عَنْ بَالِهِ، لَمِنْ

اسماء الياس - صورة شخصية
تَتْرُكُ أَرْضَكَ وَبَيْتَكَ. هَذَا اَلْوَطَنِ اَلَّذِي تَرَبَّيْت عَلَى تُرَابِهِ. وَخَضَّتْ اَلْكَثِيرَ مِنْ اَلتَّجَارِبِ اَلْفَاشِلَةِ وَالنَّاجِحَةِ عَلَيْهِ، لَكِنَّ فِي اَلنِّهَايَةِ نَجَحَتْ، وَاكْتَسَبَتْ بَعْدَ ذَلِكَ اَلْخِبْرَةُ. عَلَى مَدَى سَنَوَاتِ عُمْرِكَ أَصْبَحَ لَدَيْكَ عَمَلٌ تَعِيشُ مِنْهُ، وَزَوْجَةٌ وَأَوْلَادٍ وَبَيْتٍ دَافِئٍ مَلِيءٍ بِالْمَحَبَّةِ. مَاذَا تُرِيدُ بَعْد؟ لِمَاذَا وَمِنْ أَجْلِ مَاذَا تُرِيدُ تَرْكَ كُلِّ ذَلِكَ وَرَاءَكَ وَتَذْهَبُ. هَلْ اِسْتَشْرَتْ زَوْجَتُكَ؟ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ اَلْقَرَارِ جَاءَ مِنْ نَفْسِكَ؟ أَيْنَ حُبُّ اَلْوَطَنِ وَالِانْتِمَاءِ لَهُ؟ هَلْ تَبَخَّرَتْ وُعُودَكَ لِأَبِيكَ اَلَّذِي أَوْصَاكَ بِعَدَمِ تَرْكِ اَلْبِلَادِ " لِلْبُومِ يَزْعَقُ بِهَا " أَظُنُّ سَوْفَ تَقُولُ لِي اَلْحَيَاةُ لَمْ تُعَدْ تُطَاقُ، اَلْجَرِيمَةُ اِسْتَفْحَلَ اَلْخَوْفُ عَدَمَ اَلْأَمَانِ. كُلُّ هَذَا أَعْرِفُهُ تَمَامَ اَلْمَعْرِفَةِ وَهَذَا لَيْسَ بِجَدِيدٍ، لَكِنْ اَلْحَلُّ لَا يَأْتِي بِالْهِجْرَةِ وَلَا اَلتَّنَصُّلُ مِنْ كُلِّ تِلْكَ اَلْمَسْؤُولِيَّاتِ اَلْمُلْقَاةِ عَلَى عَاتِقِ كُلِّ فَرْدِ مِنْ أَفْرَادِ اَلْمُجْتَمَعِ. كَانَ هَذَا اَلشَّيْءِ لَا يَخُصُّكَ. هَذَا اَلشَّيْءِ يَخُصُّنَا وَيَخُصُّنَا جِدًّا. اِسْمَعْ يَا سَمِيرْ وَخُذْ مِنِّي هَذِهِ اَلنَّصِيحَةِ كُل مِنْ تَرْكِ اَلْوَطَنِ وَبَحَثَ عَنْ وَطَنِ بَدِيلٍ. بِاعْتِقَادِهِ بِأَنَّهُ سَوْفَ يَجِدُ هُنَاكَ اَلْأَمَانَ وَالِاسْتِقْرَارَ. كُلُّ هَذَا كَذِبٌ وَبَعِيدًا عَنْ اَلْحَقِيقَةِ لَا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقْلِعَ مِنْ قَلْبِهِ حُبَّ اَلْوَطَنِ. يَكْفِي أَنْ تَتَذَكَّرَ وَأَنْتَ بِالْغُرْبَةِ اَلْجِيرَانِ اَلَّذِينَ يَسْأَلُونَ عَنْكَ وَيُزَوَّرُونَكَ دُونَ اِسْتِئْذَانُ حَتَّى يَطْمَئِنُّوا عَلَى حَالِكَ. فِنْجَانُ اَلْقَهْوَةِ عَلَى شُرْفَةِ مَنْزِلِكَ فِي اَلصَّبَاحِ اَلْبَاكِرِ وَأَنْتَ تَشْتُمُ اَلنَّسِيمَ اَلْآتِيَ مِنْ صَوْبِ اَلْجِبَالِ اَلشَّامِخَةِ اَلَّتِي تُذَكِّرُنِي بِشُمُوخِ اَلْإِنْسَانَ اَلْفِلَسْطِينِيَّ اَلَّذِي أَبَى أَنْ يَتْرُكَ وَطَنُهُ لِلْمُحْتَلِّ وَظَلَّ يَعِيشُ عَلَى أَرْضِهِ رَغْمَ كُلِّ شَيْءٍ. أَيْنَ تَتْرُكُ كُلَّ هَذَا اَلْجَمَالِ رَبِيعْ بِلَادَنَا لَا يُوجَدُ مَثَلُهُ بِأَيِّ مَكَانٍ فِي اَلْعَالَمِ. رَائِحَةُ اَلزَّعْتَرِ وَالْمِيرْمِيَّة. اَلْعِنَبُ وَاللَّوْزُ وَكُلُّ مَا تُنْتِجُهُ اَلْأَرْضُ مِنْ خُضْرَاوَاتِ طِيبَةَ اَلْمَذَاقُ، لِأَنَّ أَرْضَنَا كَرِيمَةً وَطَيِّبَةً وَلَا يُوجَدُ مِثْلُهَا، يَكْفِي أَنَّهَا تَتَحَمَّلنَا رَغْم اَلْأَذَى اَلصَّادِرِ مِنَّا.
- هَلْ اِكْتَفَيْتُ يَا لَيْلَى مِنْ سَرْدِ اَلْوَقَائِعِ اَلَّتِي أَعْرِفُهَا تَمَامَ اَلْمَعْرِفَةِ؟
- نَعِمَ اُكْتُفِيَتْ.
- سَرْدُكَ لِكُلِّ مَا ذَكَرَتْ أَثَر فِي نَفْسِيَّتِي، أَنَا أَعْلَمُ بِأَنَّ اَلْوَطَنَ لَا يُوجَدُ لَهُ بَدِيلٌ. لَكِنْ عِنْدَمَا تَسْتَحِيلُ اَلْحَيَاةُ. عِنْدَمَا تُصْبِحُ اَلْحَيَاةُ مِثْل مِرْجَلٍ فَوْقَ بُرْكَانِ ثَائِرْ، كَيْفَ لَنَا أَنْ نَتَحَمَّلَ كُلُّ هَذَا، وَأَنْتِ تَعْلَمِينَ خَوْفِي عَلَى زَوْجَتِي وَعَلَى أَوْلَادِي وَنَفْسِيٌّ بِالطَّبْعِ.
- أَعْلَمُ مَدَى خَوْفِكَ وَلِهَذَا اَلشَّيْءِ أَحْبَبْتُ أَنَّ أَفْتَحَ عَيْنَيْكَ عَلَى حَقِيقَةٍ رُبَّمَا غَابَتْ عَنْ بَالِكَ. وَهِيَ اَلْغُرْبَةُ مِثْل اَلْيَانَصِيب لَيْسَ كُلُّ مَكَانٍ تَذْهَبُ إِلَيْهِ يُكَوِّنُ مِثْل مَا تَخَيَّلَتْ بَيْتَ عَمَلِ حَيَاةِ هَنِيَّة وَكُلُّ مَا تَتَمَنَّاهُ تَجِدُهُ. لِأَنَّكَ سَوْفَ تَبْدَأُ مِنْ جَدِيدٍ كُلُّ شَيْءٍ سَوْفَ يُكَوِّنُ عَنْكَ غَرِيبًا اَلْجَوّ اَلْعَامَّ اَللُّغَةَ وَالطَّعَامَ اَلنَّاسَ اَلْجِيرَانُ. كُلُّ هَؤُلَاءِ هَلْ يَا تُرَى سَتَتَحَمَّلُهُمْ وَتُحَاوِل أَنَّ تَهْضِمَهُمْ؟ لَا أَدْرِي.
اَلَّذِي أُرِيدُ أَنْ أَصِلَ إِلَيْهِ أَنْ تَجْلِسَ مَعَ نَفْسِكَ وَتُفَكِّرُ. فِكْرٌ بِكُلِّ بِهَؤُلَاءِ اَلَّذِينَ تُرِيدُ تَرْكَهُمْ مِنْ أَجْلِ مَاذَا حَفْنَةُ هَدْأَةِ بَال، أَنْتَ تَسْتَطِيعُ بِحِكْمَتِكَ وَرَجَاحَةِ عَقْلِكَ أَنَّ تُكْتَسَبهُمْ.
بَعْدُ أَنْ عَادَ سَمِيرْ إِلَى اَلْبَيْتِ وَأَمَارَاتِ اَلْحُزْنِ بَادِيَةً عَلَى وَجْهِهِ سَأَلَتْهُ زَوْجَتُهُ سَمِيرَة:
- مَا بِكَ يَا رَجُلٌ لَقَدْ خَرَجَتْ هَذَا اَلصَّبَاحِ مِنْ اَلْبَيْتِ لِلْعَمَلِ وَأَنْتَ مَشْرِقِ اَلْوَجْهِ مُبْتَسِمًا. اَلْآنُ أَرَى اَلْبُؤْسُ قَدْ غَيَّرَ قَسَمَاتِ وَجْهِكَ، كَأَنَّ مُصِيبَةً قَدْ حَلَّتْ عَلَيْكَ؟
- تَعَالِي اِجْلِسِي بِجَانِبِي. أَوَّلاً هَلْ اَلْأَوْلَادُ فِي اَلْبَيْتِ؟
- سَامِرْ ذَهَبَ عِنْدَ صَدِيقِهِ وَالْبَنَاتُ بِغُرَفِهِنَّ يَدْرُسْنَ لِلِامْتِحَانِ. - أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَشِيركُ بِمَوْضُوعٍ مُلِحٍّ.
- مَا هُوَ هَذَا اَلْمَوْضُوعِ يَا تُرَى؟ هَلْ يَخُصُّ اَلْأَوْلَادُ أَوْ حَيَاتِنَا بِشَكْلٍ عَامٍّ؟
- اَلْمَوْضُوعُ بِكُلِّ مَا فِيهِ يَخُصُّنَا نَحْنُ اَلْخَمْسَةُ.
- لَقَدْ شَوَّقَتْنِي تَكَلَّمَ.
- لَقَدْ فَكَّرَتْ بِأَنْ نُهَاجِرَ عِنْدُ أَخِي اَلَّذِي يَعِيشُ بِاَلدِّنِمَارك. مَاذَا تَتَكَلَّمُ لِمَاذَا مِنْ أَيْنَ جَاءَتْ لَكَ تِلْكَ اَلْفِكْرَةِ؟
- كُنَّا اَلْيَوْمَ فِي اَلْعَمَل نَتَكَلَّمُ عَنْ كُلِّ مَا يَحْصُلُ فِي اَلْبِلَادِ مِنْ جَرَائِمِ قَتْلِ وَعُنْفِ وَاَلَّذِي جَعَلَنِي أُفَكِّرُ بِالْهِجْرَةِ خَوْفِي عَلَيْكُمْ عَائِلَتِي أَوْلَادِي أَنْتُمْ أَهَمُّ شَيْءٍ فِي حَيَاتِي.
- لَكِنَّنَا بِخَيْرٍ لَا تَخِفُّ وَلَا تَتَوَتَّرُ مَا دَمُنَا لَا نَتَدَخَّلُ بِأُمُورِ اَلْغَيْرِ لَنْ يُصِيبَنَا شَيْءٌ. لِأَنَّنَا بَعِيدِينَ كُلُّ اَلْبُعْدِ عَنْ هَؤُلَاءِ اَلَّذِينَ يَتَعَامَلُونَ بِالسُّوقِ اَلسَّوْدَاءِ وَعَائِلَاتُ اَلْإِجْرَامِ. أَغْلَبَ اَلَّذِينَ قُتِلُوا لَهُمْ دَخْلُ لَوْ وَاحِدٍ بِالْمِئَةِ بِهَؤُلَاءِ اَلْمُجْرِمِينَ.
- قَرَارُ رَقْمٍ وَاحِدٍ وَهَذَا اَلْقَرَارُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْدِ وَالِاعْتِرَاضِ. لَقَدْ قَرَّرْنَا أَنَا اَلزَّوْجُ سَمِيرْ وَالزَّوْجَةِ سَمِيرَة وَالْأَبْنَاءُ سَامِرْ وَفَرِحَ وَلَمْيَاءْ عَدَمُ اَلْهِجْرَةِ وَالْبَقَاءِ فِي اَلْوَطَنِ حَتَّى نِهَايَةِ اَلْعُمْرِ. اَلْقَرَارُ اَلثَّانِي سَوْفَ أَكْتُبُ وَصِيَّةٌ أَوْصَى بِهَا أَبْنَائِي وَأَبْنَاءُ أَبْنَائِي أَنْ يَبْقَوْا فِي اَلْوَطَنِ. اَلْوَطَنُ هُوَ اَلْغِطَاءُ اَلَّذِي يَقِيكَ مِنْ اَلْبَرْدِ. وَهُوَ اَلْمَكَانُ اَلْأَكْثَرُ أَمْنًا. حَافَظُوا عَلَى أَوْطَانِكُمْ وَأَحَبُّوا أَبْنَائِكُمْ وَعَالَجُوا قَضَايَاكُمْ وَخِلَافَاتِكُمْ بِالْحَدِيثِ وَالْحِوَارِ، اُبْعُدُوا قَدْرَ اَلْإِمْكَانِ عَنْ اَلْعُنْفِ وَالرَّصَاصِ. لِأَنَّ اَلْحَيَاةَ أَقْصَرَ مِنْ أَنَّ نُقَصِّرهَا. وَكَانَ مِنْ اَلْأَجدر بنا أَنْ نَسْتَغِلَّ كُلُّ لَحْظَةٍ فِيهَا بِالْفَرَحِ وَالْحُبِّ..
من هنا وهناك
-
شجل المل في سهل البطوف.. شجرة قديمة قدم التاريخ
-
العاصفة تبلغ ذروتها اليوم: أمطار غزيرة وعواصف رعدية ومخاوف من الفيضانات
-
بسبب العاصفة: طائرة عبرت أجواء بيروت في طريقها إلى مطار بن غوريون
-
عرض أزياء على متن طائرة إسرائيلية يُفاجئ الركاب!
-
استعدوا: البلاد على موعد مع منخفض جوي و‘شتاء حقيقي‘
-
حالة الطقس: انخفاض ملموس على درجات الحرارة وفرصة مهيأة لتساقط أمطار محلية متفرقة
-
عاملة تُفاجأ بفصلها بسبب الوصول المبكر إلى العمل!
-
حالة الطقس: أمطار غزيرة مصحوبة بعواصف رعدية وتحذيرات من السيول والفيضانات
-
حالة الطقس : ارتفاع طفيف على درجات الحرارة
-
حالة الطقس: ارتفاع درجات الحرارة قبل الأمطار والجو العاصف يوم السبت





التعقيبات